شمل كل المجالات بما فيها التقليدي جداً رغم الارتفاع الحاد لأجور الأيدي العاملة في اليابان والتي تصل الى 20 ضعف نظيرتها في الصين فإن الصناعات اليابانية حافظت على مكانة الصدارة عالمياً. فكيف استطاعت اليابان الحفاظ على تنافسيتها حتى في تصنيع البراغي مثلاً؟
الجواب عن هذا السؤال كما ترى “الفاينانشال تايمز” يكمن في الجودة بشكل أساسي، فاليابان تصنع أكبر أنواع البراغي في العالم حيث يقوم مصنع “تاكيناكا” الموجود في منطقة أوساكا والذي يضم 155 عاملاً فقط، بتصنيع براغي بطول يصل الى 15 قدماً والمستخدمة في الصناعات النووية، حيث تعتبر هذه البراغي هي الأفضل عالمياً حسب أنظمة رقابة الجودة الأمريكية. وتستطيع مصانع أخرى إنتاج مثل هذه البراغي إلا ان مصنع تاكيناكا هو الأفضل من حيث الجودة والدقة، حيث يحتفظ المصنع بسجلات عن تاريخ صناعة كل وحدة ودرجة الحرارة التي استخدمها في صناعتها. ويسيطر مصنع تاكيناكا، الذي يعد أحد المصانع الكثيرة في اليابان على سوق البراغي المقاومة للتآكل، والتي تبلغ قيمتها عشرة أضعاف البراغي التقليدية. في الواقع، وبناء على الحقيقة التي تثبت ان الصناعات ذات التكلفة العالية لا يمكن الاستغناء عنها، فإن بإمكان صانعي “البراغي والصواميل” في اليابان البقاء في عالم يعتقد فيه ان الصناعات ذات التكلفة الإنتاجية البسيطة هي المسيطرة. وتعتبر الصناعات اليابانية في مجالات مختلفة مثل صناعة الحديد، ورقائق الكمبيوتر والأدوات الدقيقة، هي الأفضل، وبشكل عام فإن اليابان تفضل صنع الأشياء على مجرد بيعها. ويقول، إيبي تاكيدا ريئس شركة “نيتشيكون” المصنعة “لمكثفات تخزين الطاقة” صغيرة الحجم: “إذا كنت تسألني فيما إذا كان الشعب الياباني يستطيع البقاء والعيش كشعب مصنع، فإن جوابي هو نعم من دون شك، فإننا نبيع أكثر من 46% من صناعاتنا الى شركات يابانية، مما يثبت ان هذا البلد لا يزال ينتج شيئاً قيماً”. ويمكننا ببساطة ان نلاحظ الجودة في الصناعات اليابانية بنظرة سريعة الى صناعات شركة تويوتا والتي سببت ضربة لسوق السيارات الأمريكية بصناعة سيارات أفضل، أو بالنظر الى شركة “كانون” ذات الصناعات المنافسة والتي تعتبر فخر الصناعة اليابانية، وبخلاف هذه الأمثلة فهناك مئات الصناعات اليابانية التي أثبتت جدارتها على المستوى العالمي. ولقد حافظت العديد من الصناعات اليابانية على الروح التنافسية باتباعها هذه الاستراتيجية التي تعتمد على الجودة العالية كأساس لها. وكان نتيجة ذلك ان قفز مؤشر الصناعات عام 2003 بارتفاع كبير بعد ان حافظ على استقراره لفترة دامت أكثر من 15 عاماً، وبناء على تقارير منظمة التجارة الخارجية، فقد تكرر ذلك الارتفاع عام 2004 أيضاً. وقد أعلنت عدة شركات عن استثمارات ضخمة في اليابان العام الماضي، ففي الصناعات الالكترونية وحدها، قامت عدة شركات بالاستثمار في مصانع جديدة في اليابان بهدف دعم صناعاتها، فقد أعلنت شركة فوجيتسو انها ستنشئ مصنعاً بتكلفة 160 مليار ين ياباني (1،5 مليار دولار أمريكي) لتصنيع 300 مليون من أشباه الموصلات، كما تنفق شركة شارب 150-200 مليار ين، لمضاعفة حجم مصنع شاشات العرض بتقنية الكريستال السائل في مدينة “ميي”، كذلك تنفق شركة “متسوشيتا” المالكة لعلامة “باناسونيك” التجارية مبلغ 130 مليار ين ياباني لبناء مصنع خاص بإنتاج شاشات بلازما رخيصة بخاصية عرض أفضل. وتثبت الأرقام الواردة من “إكونومست وورد إن فيجر” ان الصناعات تسيطر على 31% من سوق العمالة في اليابان مقابل 28% في كوريا الجنوبية 25% في المملكة المتحدة و23% في الولايات المتحدة، رغم اعتماد اليابان خلال العقدين الماضيين على نقل مصانعها الى دول رخيصة. وتعود المرونة في الصناعات اليابانية الى عوامل عدة ومن أهمها، ان إغراء الأجور القليلة لا يعد ذا فعالية كما هو معتقد، ففي الصناعات الدقيقة مثل الصناعة المتخصصة في عملية كبس الحلقات الكهربائية على رقائق السيليكون المستخدمة في الكمبيوتر. تصل تكلفة الأيدي العاملة من 1 الى 2 في المائة فقط من اجمالي التكلفة، وفي بعض الصناعات تتراوح تكلفة الأيدي العاملة بين 5 و10 في المائة من اجمالي التكلفة، حتى ولو تم التخفيض من الأجور، فقد تتأثر سلباً بعوامل أخرى مثل وجود مصادر للطاقة لا يمكن الاعتماد عليها أو تكاليف انتقال عالية للعمال. ويقول هيروشي سوكوزو المدير العام لشركة “هويا” المتخصصة في صناعة العدسات، ان دور تكاليف العمالة في عملية تحديد موقع المصنع مبالغ فيه وان السبب الرئيسي وراء انتقال المصانع اليابانية الى الخارج هو ارتفاع الضرائب المحلية. ومن أهم الاستراتيجيات والتي أثبتت فعاليتها هي استراتيجية “المصنع الأم” والتي تعتمد على بناء وتطوير المنتجات الأساسية للصناعات داخل اليابان ومن ثم نقلها الى مصانع فرعية خارج البلاد لإتمام عملية التصنيع. ويقول جيم ابيجلن المسؤول في الصناعات اليابانية ان استراتيجية “المصنع الأم” حولت الصين من تهديد الى عامل حيوي، وان نقل الصناعات الى الصين قد أدى الى تنشيط وتحديث في الصناعات اليابانية. كما أدت هذه الاستراتيجية الى ابراز الصناعات اليابانية وانتقال شركات الخدمات اليابانية الى الخارج حتى يتمكنوا من السيطرة على المصانع. وبالتالي فإن المصانع اليابانية سواء كانت في تايلند، او الصين، او الولايات المتحدة فإنها تمثل وتحاكي المصنع الأم في اليابان بالإضافة الى كونها كاملة مملوكة ومدارة من قبل يابانيين. ويمكن وصف ثاني أهم العوامل التي ادت الى مرونة الصناعات اليابانية “بنظرية التجمع او العنقود” حيث لا تعتمد الصناعات القيمة في اليابان على قوة الانتاج ذات الجودة العالية وحسب، بل تعتمد ايضا على شبكة محلية قوية من مقاولي الباطن ذوي الخبرة والكفاءة لتزويد المصنع بالقطع والخدمات. وتوجد مثل هذه الشبكات التي تتبادل الافكار مع بعضها بعضا في مجال صناعة السيارات، الإلكترونيات والمعدات الدقيقة، بشكل أكثف في اليابان مقارنة بأي مكان آخر على وجه الأرض. ونتيجة لذلك فإن الشركات اليابانية تتقن فن مراقبة الجودة. ويقول “تاكيدا” ان الشركات على استعداد لدفع سعر عال جدا في سبيل الحصول على منتجات جيدة ومن دون اعطاب. ويقول هيتوشي ميزوروجي، رئيس شركة ديسكو، والتي تعد اكبر شركة في العالم لتصنيع المكائن التي تستخدم لتقطيع رقائق الكمبيوتر الدقيقة: “لم نجد اي مكان في العالم افضل من اليابان لننشئ مص^^ا”. فعلى الرغم من انخفاض تكاليف الايدي العاملة في اماكن اخرى في آسيا، إلا أن الشركة لم تقم بنقل اي من مصانعها التي توجد قرب هيروشيما. يعود التقارب بين المستهلكين والموزعين بالفائدة على كليهما ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال المثال الحي، حيث تقبع العديد من الشركات المهمة في مجال الالكترونيات حول اوساكا وكيوتو في وسط اليابان. ويقول كينجي فوروهاشي المدير العام لشركة هو سيدن، المتخصصة في صناعة القطع الإلكترونية في اوساكا، والتي تصنع مجموعة كبيرة من القطع مثل شارب وسانيو: “إذا واجهت احد عملائنا مشكلة من حيث تصميم القطع، فوجودهم قربنا يساعدنا كثيرا على حل المشكلة، وبالتالي إعادة تصنيع القطعة المناسبة”. ويتم تصنيع العديد من المنتجات حسب طلب المستهلكين في اليابان مما يعد احد اسباب ارتفاع الاسعار. فعلى سبيل المثال ينتج مصنع تاكيناكا اكثر من 30000 نوع من البراغي والصواميل سنويا، بمواصفات مختلفة، و40% منها تصمم حسب الطلب. وحسب كين ساتو المدير العام لشركة “دوم” الموجودة في كيوتو، والمتخصصة في تصنيع اشباه الموصلات والقطع الإلكترونية، فإن التعاون المتقارب هو السبب الرئيسي الذي ادى بالشركة الى توظيف اكثر من 6000 عامل “من منازلهم” حتى انها زادت القوى العاملة لديها خارج اليابان الى 14000 اغلبهم في آسيا. ويصر معظم الزبائن لديهم على شراء قطع تم تصنيعها في اليابان رغبة في الحصول على جودة عالية. وثالث اهم الاسباب التي تدعو الى ابقاء قاعدة التصنيع في اليابان هو الحفاظ على الاسرار. فبما أن المنافسة من قبل الصناعات قليلة التكلفة في ازدياد، وتعقيدات الانتاج تزداد ايضا، فإن العديد من المصانع اليابانية تفضل الاحتفاظ بأسرارها التصنيعية في بلادها. ويقول ماكوتو اوميهارا المدير العام لشركة سيتيزن “انني احرص على ابقاء العديد من مصانع سيتيزن في اليابان لأنها افضل طريقة للحفاظ على اسرارنا لأنفسنا. ففي هذا النوع من الصناعات من المهم ان تعرف كيف تتم عملية التصنيع، لذلك نحرص على الاحتفاظ بما نملك”. كما يقول سوزوكي من شركة هويا ان العديد من الشركات اليابانية تفضل التعامل مع بعضها بعضاً اكثر من الشركات الاجنبية، فبعض الشركات اليابانية تميل الى مشاركة مصادرهم وطرق التصنيع المستخدمة”. ونتيجة لهذا فنجد ان الصناعات الدقيقة تتم داخل اليابان اما الصناعات الاقل من ذلك فيتم ترحيلها الى الخارج، فمثلا تنتج شركة كانون آلات التصوير في الصين بينما يتم تصنيع الاحبار في اليابان. وتصنع العديد من شركات الإلكترنيات رقائقها التي تحمل كل برامجها الإبداعية في اليابان، بينما يتم تجميع المنتج كاملا في مكان آخر، وكذلك العديد من الشركات المصنعة اليابانية ابتداء من مصانع للبلاستيك وانتهاء بمصانع المكثفات الصغيرة الحجم. | 
موضوع: الجودة سر تفوق اليابان على دول الصناعات الرخيصة 
2/9/2009, 12:57
