كثيرة هي الوسائل والأدوات التي ابتكرت بغية محاولة تخفيف معاناة المكفوفين ومنحهم بعضا من الاحساس بالعالم الخارجي يقوم معظمها على فكرة استبدال حاسة البصرالمفقودة بحاسة اخرى كالسمع واللمس لاستشعار الأشياء اذكر منها كتب برايل للقرائة باللمس ، عصا استشعار الألوان الناطقة ، عصا التنبيه بوجود عائق ، قارئات مواقع الانترنت الناطقة ، ماسحات ضوئية ناطقة لقرائة الكتب الورقية .. الخ ، إلا ان اي من تلك الاختراعات لم تكن قادرة على منح المكفوف بصره ، لم ولن تكن تلك الوسائل يوما قادرة على اشباع رغبة الكفيف في التجول بنظره في ارجاء الأمكنة التي يحول بها ، انبرى المبتكرون على مساعدة الكفيف بأدوات ناسين ان أدوات الدنيا لن تعوضه عن بصره و في هذا السياق تناولت الأبحاث في تقنية الإبصار الصناعي ثلاث طروحات في هذا المضمار لازالت طور الدراسة والتجريب قدمت ثلاثتها حول فكرة اعادة حاسة البصر بالاستعانة بالذكاء الحاسوبي وتكنولوجيا المعلومات الخصها لكم بايجاز في التقرير التالي .
التحفيز المباشر لمركز البصر في الدماغ كهربائيايزود الكفيف بنظارة مثبت عليها كاميرا رقمية تلتقط صورا متعاقبة للمشاهد المحيطة تمرر هذه الصورة الى حاسوب صغير خاص يحمله الكفيف معه طوال فترة استخدامه للنظام حيث تعالج الصورة بعد مسحها وتحدد حوافها وتجرد المنحنيات الرئيسية فيها ومن ثم يرسل الحاسوب بسلسلة من النبضات الكهربائية وفق نسق معين تشكل لوحة المشهد على الى رقاقة الكترونية تمثل مصفوفة أقطاب كهربائية تم زرعها مسبقا في الدماغ خلال عملية جراحية على مركز الابصار Visual Cortex بحيث يحدث النظام صدمات كهربائية دقيقة متناهية في الصغر من خلال سلسة النبضات المرسلة من الحاسوب الصغير في مواضع في الرقاقة المزروعة تشكل منحنيات الصورة فيظهر المشهد أبيض وأسود على هيئة مجموعة متراصة من النقاط المتراصة المضيئة شبيهة بلوحة عرض النتائج في الاستادات الرياضية .
هذا الطرح يناسب فاقدي البصر كليا وفاقدي الأمل بكل علاج بسبب تضرر العصب البصري الأساسي .
الصورة اليمنى تمثل أشعة X لرأس كفيف قام بزراعة شريحة الأقطاب الالكترونية في دماغه والصورة اليسرى تمثل مستخدم النظام
يبين الشكل الصورة الملتقطة من خلال الكاميرا في الأعلى أما الصورة الثانية فهي الصورة التي سيبصرها الكفيف المتشكلة في الدماغ نتيجة التحفيز الكهربائي
يبين الشكل صورة مكبرة لمصفوفة الأقطاب الكهربائية التي يستوجب زرعها في الدماغ كجزء أساسي من النظام
الشبكيــة الاصطنـاعيـة قبل التطرق الى وصف النظام وجب استباق شرح موجز لتسلسل عملية الإبصار ومنظومة العين :
ما يحدث عند النظر الى جسم ما :
- الضوء المنعكس عن الجسم المراد رؤيتة يدخل العين من خلال القرنية
- يسلّط الضوء على ويوجه الى الشبكية
- تعمل الشبكية على ارسال رسائل تتضمن معلومات الصورة الى مركز الإبصار في المخ عن طريق عصب البصر
- يفسر المخ هذه الرسائل الى صورة مرئية .
يتضح مما سبق ان الوظيفة الرئيسة للشبكية هي ارسال معلومات المشهد المرئي الى المخ ، ثمة ثلاث أنواع رئيسية من الخلايا في العين لا يمكن للشبكية أداء وظيفتها بدونهم :
- الخلايا العصوية Rods
- الخلايا المخروطية Cones
- خلايا غانغليو Ganglio
تلعب كل من خلايا Rods و Cones دور مستقبلات ، مستشعرات ومتحسسات الصورة حيث تستخلص معلومات الصورة ومن ثم تستلم خلايا Ganglio المعلومات منهما وتفسرها على نحو معين وترسلها الى المخ عبر العصب البصري .
للأسف ثمة بعض الأمراض التي تصيب الشبكية وتستهدف مهاجمة خلايا Rods و Cones وتعطيلهما عن العمل مما يؤدي الى فقدان كلي أو جزئي للبصر منها مرض Retina Pigmentosa و Age-Related Macular Degeneration ، ولكن أكدت الأبحاث ان معظم تلك الأمراض لا تؤذي خلايا Ganglio أو عصب السمع وكانت هذه النقظة طرف الخيط فإذا تمكن العلماء من تطوير خلايا Rods و Cones اصطناعية أو بعبارة اخرى محاكاة وظائفهما في رقاقة الكترونية يغدو متاحا نقل المعلومات الى المخ ليتم تفسيرها الى صورة .
والآن يمكن مباشرة شرح النظام المقترح :تلتقط الكاميرا المثبتة على عدسات نظارة صورا رقمية وترسل بالمعلومات الى معالج ( قد يدمج في اطار النظارة ) يحوّل معلومات الصورة الى اشارات كهربائية ترسل لاسلكيا من النظارة الى مصفوفة اقطاب كهربائية مزروعة مسبقا داخل العين عبر روابط لاسلكية في كل من النظارة والرقاقة المزروعة في العين .
تترجم الرقاقة اشارات المشهد وتعمل على تحفيز خلايا Rods و Cones الخاملة كهربائيا ( صدمات كهربائية ) .
يجب توخي الدقة البالغة في تكييف بارامترات التحفيز الكهربائي لحماية اعصاب الشبكية الحية من التلف من جراء الكهرباء .
الإبصار باستقراء الصوت وتحليله ذهنياينطوي هذا الطرح على استغلال قدرات مركز التخيل ( التصوير التخيلي ) في الدماغ إضافة الى حاسة السمع لنسج مشاهد تخيلية ذهنيا متماهية مع المشهد الحقيقي المحيط حيث يعمل مستخدم النظام على استخلاص ملامح هذا المشهد ذهنيا بنفسه من خلال استقراء الأصوات الصادرة عن سماعات الرأس ( هيدفون ) والمتولدة عن تحويل معلومات وخصائص الصورة الرقمية ومحتوياتها الشكلية منها من تعرجات ومنحنيات واللونية من ترددات لونية وشدة اضائة المأخوذة عن كاميرا رقمية مثبتة على خوذة خاصة يرتديها مستخدم النظام تلتقط صورا متعاقبة للوسط المحيط الى موجات صوتية ذات خصائص متماهية مع خصائص الصورة تبدو كالضوضاء والتشويش لغير مستخدمي النظام أو ما يسمى ترميز الصورة صوتيا .
حيث تحتوي الخوذة ضمنيا على وحدة معالجة للصور تعمل على مسح الصور الرقمية الملتقطة من خلال الكاميرا وتحويلها الى موجات صوتية مسموعة تمثل الصورة وتحمل خصائصها .
يستطيع مستخدم النظام نسج ملامح المشهد عبر اتباع ثلاث قواعد بأخذ بعين الاعتبار ان عملية مسح الصورة صوتيا يبدأ من اقصى اليسار متجها نحو اليمين و تواتر تعاقب الصور بمعدل لقطة ( صورة ) في الثانية:
- باستخدام تقانة الصوت المجسم ( ستيريو ) تسند مواضع الأشياء في المشهد ( أبعادها ) تبعا لمصدر الصوت ( اتجاه ورود الصوت) فلو سمعت صوتا صادرا عن الجهة اليسرى فتحليلك الصوتي الحالي على اتصال بشئ مرئي ما يتوضع على يسارك .
- تسند درجة النغمة Pitch أو ما يسمى بالتردد حدة وخشونة بارتفاعات الأشياء فإذا حدة الصوت تزداد فإن النموذج المرئي يزداد ارتفاعا من اليسار الى اليمين .
- تسند خاصية درجة الإضاءة Brightness الى درجة الصوت Volume فالصوت الأعلى يمثل مناطق افتح ( درجات اللون الرمادي ) والسكوت يعني مناطق سوداء .
الأمر أشبه بابتداع لغة جديدة اسوة بلغة الإشارة بالنسبة للصم حيث تنسب خصائص الصورة الى خصائص صوتية ويبقى على مستخدمي النظام الخضوع لتدريبات تفسير الصوت واستقرائه لاكتساب المهارة اللازمة لترجمة هذه الخصائص فوريا بأنفسهم حال سماعها .
استوحيت هذه الطريقة المبتكرة من الإثبات العلمي لقدرة العقل البشري على التكيف عند استبدال وسيلة معطلة بأخرى ( نظرية Cross-modal ) مما مكن مستخدمي هذا النظام من الرؤية من خلال الحصول على معلومات ذات معاني عما حولهم ( ارتفاع ، حجم ، بعد ، عمق ، اضائة .. الخ ) عبر تفسير الصوت .
تتجلى عيوب هذا الطرح في الضوضاء العارمة التي ستبقى مبيتة في الأذن طوال فترة استعمال المنظومة فلن يستطيع البعض احتمال تلك الأصوات لفترات طويلة ناهيك عن حجز حاسة السمع لأغراض الرؤية وبالتالي الانقطاع عن التواصل السمعي مع العالم المحيط .. من يدري ربما يضحي الكثيرين بذلك مقابل القليل من الاستشعار المرئي للعالم المحيط .